shape
shape

القيمة القانونية لنصوص الدستور

القيمة القانونية لنصوص الدستور

القيمة القانونية لنصوص الدستور

بقلم: المحامي الدكتور وليد عباس الحلفي

 

يعد جميع الفقهاء الدستور الوثيقة الأسمى في البلاد وسمو الدستور يراد به ان یکون النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوما بالقواعد الدستورية. 


ان اي سلطه من السلطات الدولة لا يمكن ان تمارس الا السلطة التي خولها اياها الدستور وبالحدود التي رسمها.  ويترتب على مبدا السمو المادي للدستور عده نتائج مهمه منها ان القواعد الدستورية ملزمه لجميع هيئات الدولة وان اي نشاط يكون مخالف لهذه القواعد لا يتمتع باي أثر قانوني لأنه يمس مبدا المشروعية الذي يعني وجوب احترام القوانين العادية الصادرة من السلطة التشريعية والالتزام بها وضرورة مطابقه تلك القوانين للنصوص الدستورية.


مما يعني ان اي انتهاك لنصوص الدستور سواء حصل هذا الانتهاك من السلطة التنفيذية او التشريعية يعتبر انتهاكا لمبدأ المشروعية الذي يقوم عليه مبدا الدولة القانونية. 


ولكن ما هو المقصود بسمو القاعدة الدستورية؟ او علوية الدستور؟
بقول غالبيه فقهاء القانون ان الدستور او القانون الاساسي كما يسمى في بعض الدول اعلى واسمى من بقيه القوانين والتشريعات والأنظمة واللوائح التي تصدر من السلطات التشريعية والتنفيذية ومعنى ذلك ان القوانين والتشريعات والأنظمة واللوائح اذا صدرت دون مراعاه الدستور الذي صدرت في ظله تعتبر غير دستوريه ويمكن رفض تطبيقها عندما يتم عرض هذه القوانين على المحاكم حيث يستطيع القاضي او المحكمة الامتناع عن تطبيق القانون بحجه معارضته للدستور وهذا يعني انه عندما تعارض القانون الصادر من السلطة التشريعية مع الدستور فان هذا القانون فاقد للمشروعية التي يتطلبها الدستور وكذلك عند صدور لوائح او تعليمات او انظمه لا تتماشى مع الدستور او تخالف المبادئ التي جاء بها الدستور فان هذه اللوائح والتعليمات والأنظمة لا تصلح للتطبيق لأنها تتعارض مع القانون الاسمى في البلاد وهو الدستور وقد رأيت من المهم التعرض بشيء من الايجاز عن الدساتير السابقة في العراق  للتعرف على تفاصيل وجزئيات هذه الدساتير فيما يخص انتهاك الدستور فيها والنصوص التي تتعرض لموضوع انتهاك الدستور وما يمكن ان يترتب من عقوبة لهذا الانتهاك.


الدساتير في العراق: -


يكاد يكون العراق من اقدم البلدان في العالم التي نشا فيها القوانين باعتباره من اقدم الحضارات في تاريخ البشرية حيث نشأت حضارة سومر وبابل واشور وغيرها كما يعتبر قانون حمورابي من اقدم القوانين في هذا البلد ان ولاد الدستور العراق الدائم لسنه 2005 لم تختلف كثيرا عن ولاده الدستور الاول للعراق لسنه 1925 الذي ولد ضمن ظروف سياسيه مضطربة وبينما الحالة الاقتصادية مدمره والاحتلال كان له الدور الكبير في صناعه القرار وكذلك الدول المجاورة للعراق وللدول الإقليمية والعالمية ولم يكن الشعب وحده هو المعبر للوضع السياسي بل  ساهمت ظروف مختلفة في ذلك .


((وكان يسمى الدستور في ذلك الوقت القانون الاساسي العراقي لسنه 1925)). وقد تكون هذا الدستور من 123 ماده وكان يفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وشكل النظام في هذا الدستور هو نظام ملكي برلماني ((فالملك كما جاء في المادة 25 مصون وغير مسؤول)) ويكون الملك حامي الدستور وهو ((الذي له حق في محاسبه السلطة التنفيذية وعزل وتنصيب رئيس الوزراء وتعيين الوزراء وقبول استقالتهم من مناصبهم)).


وهذا يعني ان الدستور الاول في العراق والذي سمي القانون الاساسي للعراق لعام 1925 لم ينص على عقوبات محدده لانتهاك الدستور واكتفى بسلطه الملك في عزل رئيس الوزراء والوزراء عند حدوث اي انتهاك منهم للقانون الاساسي الذي يعملون في ظله ثم صدرت بعد ذلك الدساتير المؤقتة للدولة العراقية  فقد صدر دستور عام 1958 وهو اول دستور جمهوري في البلاد بعد الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958 من قبل ثوره عبد الكريم قاسم الذي الغي القانون الاساسي للعراق لعام 1925 واصدر دستور مؤقت للعراق عام 1958 الذي انتقل الى النظام الجمهوري بدلا من النظام الملكي الذي حكم العراق منذ عام 1925 ولغايه سقوطه في عام 1958 وجاء الدستور هنا مؤقتا ومقتضبا ومؤلفا من 30 ماده لم تشير الى قواعد الدستور التي عاده ما يحتويها اي دستور كالفصل بين السلطات بل انه اعطى مجلس الوزراء وهو السلطة التنفيذية صلاحيه التشريع اضافه الى صلاحياتها التنفيذية)) ثم بعد الإطاحة  بنظام حكم عبد الكريم قاسم جاء الحكم العارفي فاصدر دستور اخر للبلاد وهو الدستور المؤقت لعام 1964 والذي صدر في 29/4/1964 تحت اسم  الدستور المؤقت لسنه 1964.والذي اناط لرئيس الدولة صلاحيه تعيين رئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء والوزراء ويقبل استقالاتهم ويعفيهم من مناصبهم)).


فيما نصت المادة / 75 من هذا الدستور على حق رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء بموافقه رئيس الجمهورية في احاله الوزير الى المحاكمة عما يقع منه من جرائم في تأدية اعمال منصبه على الوجه المبين في القانون. ثم صدر بعد ذلك الدستور عام 1970 والذي كان ايضا مؤقتا بعد سقوط نظام الحكم العارفي ومجيء حزب البعث الى السلطة في العراق وتأسيس مجلس سمي مجلس قياده الثورة وانيط به قياده البلاد على كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فرئيس المجلس هو رئيس الجمهورية حكما. كما نصت المادة الثامنة والثلاثون من هذا الدستور في الفقرة (د) منه على حق المجلس في اتهام ومحاكمة اعضاء مجلس قياده الثورة ونواب رئيس الجمهورية والوزراء.   فيما نصت المادة 43 من هذا الدستور في الفقرة (و) على وضع القواعد المتعلقة بمحاكمه اعضائه من حيث تشكيل المحكمة والاجراءات الواجب اتباعها فيها. كما نصت المادة 45 منه على ما يشير الى عقوبة انتهاك الدستور فقد جاء في هذه المادة على مسؤوليه رئيس مجلس قياده الثورة ونائبه واعضاءه امام المجلس عن خرق الدستور او عن الحنث باليمين الدستورية او عن اي عمل او تصرف يراه المجلس مخلا بشرف المسؤولية التي يمارسها. كما نصت المادة 51 من الدستور ذاته على صلاحيه المجلس الوطني في وضع اصول الاتهام ومحاكمه اعضائه في حاله اقترافهم أحدهم الافعال النصوص عليها في المادة 45 من هذا الدستور وهو ما شرنا اليه سابقا عند حصول خرق للدستور او الحنث باليمين او اي تصرف يخل بشرف المسؤولية.


كما نصت المادة 59 من الدستور نفسه على مسؤوليه نواب رئيس الجمهورية والوزراء امام رئيس الجمهورية وله حق احاله اي متهم الى المحاكمة وفقا لأحكام الدستور عن الاخطاء التي يرتكبها هؤلاء وعن استقلال السلطة او التعسف في استعمالها. وبذلك فان الدستور العراق الموقت لعام 1970 قد وضع بعض القواعد العامة لغرض احاله اي من اعضاء السلطة التشريعية او التنفيذية الى المحاكم ومحاكمتهم عما اقترفوه من افعال مخالفه للمهام التي انيطت بهم وفقا للدستور.  اما دستور العراق الدائم لعام 2005 فقد كان اوضح من الدساتير السابقة حول الحديث عن مبدأ الفصل بين السلطات. لان اغلب الدساتير تتبنى هذا المبدأ ((الا ان مساحة الفصل تضيق تارة وتتسع تارة اخرى فالأنظمة البرلمانية يكون الفصل فيها نسبيا وهذا يعني ان السلطات الثلاث في الدولة مستقله باختصاصاتها مع وجود علاقة تأثير وتأثر فيما بينها سيكون من حق السلطة التشريعية منح الثقة بسلطه التنفيذية الحكومة ويكون لها سحب الثقة عنها كما يكون للحكومة حق حل البرلمان. اما في الأنظمة الرئاسية فالفصل يكون أكثر اتساعا من النظام برلماني حيث تنتفي علاقة التأثير والتأثر فلا يكون لسلطه التشريعية حق سحب الثقة من الحكومة كما لا يكون من حق الحكومة حل البرلمان الا ان علاقة التعاون تبقى قائمه فيما بينهما. كما أكد الدستور عام 2005 في العراق على ان الدستور هو القانون الأسمى والاعلى في البلاد ويكون ملزما في انحاء العراق كافة وبدون استثناء وكذلك عدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور وعد كل قانون باطلا إذا تعارض مع نصوص الدستور. كما نص الدستور الدائم في العراق العام 2005 على حق السلطة التشريعية في مراقبه اعمال السلطة التنفيذية .